في تقريرها السنوي الذي صدر مؤخراً، جددت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تأكيدها على استمرارية نمو الطلب العالمي على النفط، متجاهلة التحذيرات المتعلقة بالتغير المناخي، حيث توقعت أن يصل الاستهلاك اليومي إلى مستويات قياسية قد تصل إلى 120.1 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050.
يعكس هذا التقرير رؤية مستقلة لأوبك تختلف عن معظم التوقعات الدولية الأخرى، التي تتوقع توقف نمو الطلب على النفط في العقود المقبلة بفعل التحول نحو الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
زيادة الطلب
في ظل التحولات العالمية تتوقع أوبك أن يرتفع الطلب العالمي على النفط إلى 118.9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2045، بزيادة قدرها 2.9 مليون برميل مقارنة بالتوقعات السابقة لعام 2023. ويعزو التقرير هذا الارتفاع إلى النمو الاقتصادي المتوقع في دول مثل الهند وأفريقيا والشرق الأوسط، التي ستظل تعتمد على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للطاقة.
وعلى الرغم من التوجهات العالمية نحو التحول إلى مصادر طاقة أنظف، فإن التقرير يشير إلى أن هذا التحول سيكون بطيئاً، ما يتيح استمرار الطلب على النفط لعقود قادمة.
تناقضات مع الأهداف المناخية الدولية
من المثير للجدل أن توقعات أوبك تتعارض بشكل كبير مع الأهداف المناخية الدولية التي تنادي بخفض استهلاك الوقود الأحفوري للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
لعلك ترغب في تصفح: أسباب تراجع أسعار النفط بأكثر من نقطة مئوية رغم توقف إمدادات ليبيا: دور دول أوبك في التحليل
ففي حين تؤكد الوكالة الدولية للطاقة على ضرورة تخفيض الاستثمارات في مشاريع النفط والغاز للحد من زيادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، تتبنى أوبك وجهة نظر مخالفة، حيث تتوقع أن العالم سيستمر في طلب المزيد من النفط، ما قد يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بما بين 2.5 إلى 3 درجات مئوية بحلول منتصف القرن الحالي.
دوافع أمن الطاقة في مواجهة التحديات البيئية
تشير “أوبك” في تقريرها إلى أن الأزمة الطاقوية العالمية التي شهدها العالم في عام 2022 دفعت الدول المتقدمة إلى إعادة تقييم سياساتها الطاقوية، مع التركيز على أمن الطاقة كمحرك رئيسي لاستراتيجياتها المستقبلية.
ومع سعي الدول النامية إلى تأمين مصادر طاقة مستدامة وبأسعار معقولة، يبقى النفط في قلب هذه المعادلة، خاصة في ظل التحديات التي تواجه اعتماد التقنيات النظيفة مثل التقاط الكربون وتخزينه.
التوقعات قصيرة الأجل مقابل طويلة الأجل
في سياق توقعاتها القصيرة الأجل، توقعت أوبك أن الطلب العالمي على النفط سيزيد بنحو مليوني برميل يومياً هذا العام، وهي تقديرات تتفوق على توقعات معظم المؤسسات المالية الكبرى مثل جي بي مورغان وسيتي غروب، مما يعكس تفاؤلاً كبيراً داخل المنظمة.
ومع ذلك، يظل هذا التفاؤل محل تساؤل حتى بين أعضاء المنظمة، حيث تم تأجيل استئناف بعض عمليات الإنتاج المتوقفة حتى ديسمبر المقبل، وسط مخاوف من عدم قدرة السوق على استيعاب هذه الكميات الإضافية.
المشاركة في الجهود المناخية الدولية: خطوة أولى؟
على الرغم من توقعاتها المتفائلة، شاركت أوبك للمرة الأولى في قمة المناخ (COP) في عام 2022، حيث دعا الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص إلى تعزيز دور صناعة النفط في مواجهة التحديات المناخية.
ومع ذلك، لم يقدم التقرير السنوي أي تفاصيل واضحة حول كيفية تحقيق تقدم ملموس في مجال تقنيات احتجاز وتخزين الكربون، والتي تعتبر من الحلول المقترحة للحد من انبعاثات الكربون الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري.
ختاماً،يبرز تقرير أوبك السنوي كوثيقة طموحة تعكس رؤية المنظمة لاستمرار هيمنة النفط في الأسواق العالمية لعقود قادمة. إلا أنه، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الدول المصدرة للنفط من الحفاظ على هذه التوقعات في ظل التحديات البيئية المتزايدة والضغوط الدولية للحد من استخدام الوقود الأحفوري؟