أعلن البيت الأبيض، يوم السبت، سحب ترشيح الملياردير جاريد إيزاكمان لتولي رئاسة وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، منهياً بذلك ترشيح أحد أبرز المقربين من رجل الأعمال إيلون ماسك، وذلك قبيل أيام من جلسة التصويت المنتظرة في مجلس الشيوخ.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن عبر منصته “تروث سوشيال” عزمه على تقديم مرشح جديد في وقت قريب، قائلاً: “بعد مراجعة شاملة للارتباطات السابقة، أعلن سحب ترشيح جاريد إيزاكمان لرئاسة وكالة ناسا. وسأُعلن قريبًا عن مرشح جديد يتماشى مع أهداف المهمة ويضع مصلحة أمريكا أولاً في الفضاء”.
وكان من المقرر أن يُعرض ترشيح إيزاكمان، الذي يُعد من أبرز داعمي ماسك ومن أوائل رواد الفضاء الخاص، على مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل بعد سلسلة من التأجيلات، غير أن قرار سحب الترشيح جاء مفاجئًا لمجتمع الفضاء. ولم تُصدر إدارة ترامب تفسيرًا رسميًا لهذه الخطوة، الأمر الذي أثار تساؤلات في الأوساط المختصة.
وفي تعليق له عبر منصة “إكس”، عبّر إيزاكمان عن تقديره لمن دعمه خلال هذه المرحلة، وقال: “رغم الجدل والاضطراب الظاهر، إلا أن هناك العديد من الأشخاص الأكفاء والمخلصين الذين يحبون هذا الوطن ويؤمنون برسالة الوكالة. وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال جلسة الاستماع، حيث عبّر القادة من كلا الحزبين عن استعدادهم للدفاع عن وكالة الفضاء الأكثر إنجازًا في العالم. أشعر بامتنان بالغ للرئيس ترامب، ولمجلس الشيوخ، ولكل من دعمني”.
ويأتي هذا التطور بعد أيام قليلة من مغادرة إيلون ماسك لموقعه الرسمي في البيت الأبيض، حيث كان يشغل منصب “موظف حكومي خاص” معني بـ”إدارة الكفاءة الحكومية”، وهو دور أثار جدلاً داخل الإدارة الأمريكية وأثار تحفظات لدى بعض مستشاري الرئيس ترامب. ولم يُدلِ ماسك بأي تعليق فوري، غير أن أحد المطلعين على موقفه أفاد بأنه أصيب بخيبة أمل من قرار سحب الترشيح. وكتب ماسك عبر “إكس”: “من النادر العثور على شخص بهذه الكفاءة وهذا الصفاء الإنساني”.
وفي ظل غياب مرشح بديل معلن، بدأت بعض الأسماء تطرح في كواليس المشاورات، من بينها اسم الجنرال المتقاعد من سلاح الجو الأمريكي ستيفن كواست، المعروف بدعمه المبكر لتأسيس “قوة الفضاء الأمريكية” وبتأييده الصريح للرئيس ترامب، وفقًا لثلاثة مصادر مطّلعة على المناقشات الجارية.
إيزاكمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “شيفت 4” المتخصصة في تقنيات الدفع، حظي بدعم واسع في أوساط قطاع الفضاء، إلا أن علاقته الوثيقة بشركة “سبيس إكس” التي أنفق فيها مئات الملايين من الدولارات كأحد زبائن الرحلات الفضائية الخاصة، أثارت تحفظات بعض المشرعين. كما سبق له أن تبرع للحزب الديمقراطي في محطات انتخابية سابقة، وهو ما ألقى بظلاله على مسار ترشيحه.
وخلال جلسة الاستماع التي عُقدت في شهر أبريل، سعى إيزاكمان إلى إيجاد توازن بين استراتيجية “ناسا” الحالية التي تركز على العودة إلى القمر، والدعوات المتصاعدة لتوجيه الاهتمام نحو استكشاف المريخ، مؤكدًا في مداخلته أن الولايات المتحدة قادرة على الجمع بين الوجهتين في إطار خطة طموحة متوازنة.
ولو تم تثبيته في المنصب، لكان إيزاكمان قد تولى مسؤولية قيادة نحو 18 ألف موظف داخل الوكالة، في وقت تواجه فيه “ناسا” تحديات استراتيجية ضخمة تشمل التحوّل نحو إرسال رواد الفضاء إلى المريخ، بعد سنوات من التحضيرات المكلفة للعودة إلى القمر.
وفي هذا السياق، نشرت “ناسا” يوم الجمعة تفاصيل جديدة ضمن مقترحات الميزانية الاتحادية لعام 2026، التي صاغتها إدارة ترامب، وتتضمن إلغاء عشرات البرامج في مجال علوم الفضاء، وتسريح آلاف الموظفين، ضمن خطة لإعادة هيكلة الوكالة أثارت موجة واسعة من الانتقادات من جانب الخبراء والمشرعين، وُصفت بأنها تشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل “ناسا”.
من جهته، عبّر السيناتور الجمهوري عن ولاية مونتانا، تيم شيهي، وعضو لجنة التجارة والعلوم والنقل بمجلس الشيوخ، عن دعمه المطلق لإيزاكمان، قائلاً عبر “إكس”: “كان جاريد خيارًا قويًا من الرئيس ترامب لقيادة وكالة ناسا، وقد كنت فخورًا بتقديمه في جلسة الاستماع، وأعارض بشدة أي محاولات لإفشال ترشيحه”.
ويرى عدد من علماء الفلك أن قرار سحب الترشيح من شأنه أن يزيد من حالة عدم الاستقرار داخل الوكالة، خاصة في ظل غياب قائد رسمي على رأسها، وفي وقت تواجه فيه “ناسا” خفضًا كبيرًا في ميزانيتها، وضغوطًا متزايدة من الكونغرس والبيت الأبيض، فضلًا عن التحديات الداخلية.
وفي هذا السياق، كتب عالم الفلك جوناثان ماكدويل، من مركز “هارفارد-سميثسونيان”، على منصة “إكس”: “غياب إيزاكمان عن رئاسة ناسا هو خبر سيئ للوكالة. لكنه قد يكون أمرًا جيدًا لجاريد نفسه، لأن قيادة ناسا في الظروف الحالية تشبه سيناريو (كوباياشي مارو)”، في إشارة إلى التحدي المستحيل ضمن سلسلة “ستار تريك”.
