في خضم تحولات اقتصادية عالمية مستمرة، تظهر العملات الرقمية كأحد المواضيع الأكثر إثارة للجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية على حد سواء. مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مقاليد الحكم في ولايته الثانية، يُلاحظ اتجاه متزايد داخل فريقه لدعم العملات الرقمية، وخاصة البيتكوين ودوجكوين، اللتين أصبح لهما حضور قوي على الساحة المالية العالمية. هذه العملات التي كانت في بدايتها تثير العديد من التساؤلات حول شرعيتها وأمنها، باتت اليوم تحت أنظار الحكومات الكبرى والشركات العالمية، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور هذه العملات في السياسة الاقتصادية الأمريكية في المستقبل.
أعضاء فريق ترامب ودورهم في تعزيز العملات الرقمية
يُظهر فريق ترامب المنتَخب تبايناً كبيراً في المواقف تجاه العملات الرقمية، لكن هناك إشارات واضحة على أن بعض أفراده يرون في هذه العملات فرصة لتغيير الأنظمة المالية التقليدية، بل وفتح آفاق جديدة للاقتصاد الأمريكي. من أبرز الشخصيات التي تدعم هذا التوجه:
جي دي فانس، نائب الرئيس المنتخب، الذي يمتلك ما بين 250,000 و500,000 دولار من البيتكوين، وفقاً للإفصاحات المالية.
يعبّر فانس عن دعمه للحد من القيود التنظيمية المفروضة على شركات العملات الرقمية، مشيرًا إلى ضرورة حماية هذه الشركات من التدخلات الحكومية المبالغ فيها. لقد دعّم فانس مشاريع قوانين تهدف إلى تسهيل بيئة عمل العملات الرقمية، محاججاً بأنها تساهم في تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي.
روبرت إف كينيدي جونيور، الذي تم ترشيحه لتولي منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية، يروج لفكرة أن البيتكوين ليس مجرد عملة رقمية، بل أداة تحوط ضد التضخم وفقدان القيمة الشرائية للعملات التقليدية.
اقرأ أيضاً: البيتكوين يستأنف صعوده مع تسجيل قفزات لأسهم العملات الرقمية
على الرغم من أنه لم يكشف عن قيمة استثماراته في البيتكوين، إلا أنه سبق له أن عبر عن دعم كبير لهذه التقنية باعتبارها وسيلة تعزز الاستقلال المالي للفرد.
مايكل والتز، مستشار الأمن القومي، يملك أيضًا بين 50,000 و100,000 دولار من البيتكوين، وهو من المؤيدين لإلغاء بعض اللوائح التنظيمية التي تشدد على تداول العملات الرقمية، ويعتبر أن هذه العملات قد تكون جزءًا أساسيًا من الأمن القومي في المستقبل.
تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية سابقاً، استثمرت في عدة عملات رقمية مثل لايتكوين وإيثيريوم. تعبر غابارد عن قلقها العميق من التأثيرات السلبية للحكومة على الخصوصية المالية للمواطنين، وهو ما يعزز موقفها الداعم للعملات المشفرة.
إيلون ماسك ودوجكوين: دور فاعل في رسم السياسات الرقمية
بينما يظل إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، بعيداً عن المناصب الحكومية الرسمية، إلا أنه يُعد أحد أبرز الداعمين للعملات الرقمية في الولايات المتحدة. لا يقتصر دعم ماسك على تصريحات عابرة، بل يتجاوز ذلك إلى دور مؤثر في تشكيل السياسات الاقتصادية المتبعة في هذا المجال.
إن ماسك هو الرئيس المشارك لدائرة “D.O.G.E”، وهي دائرة حكومية تم إنشاؤها تحت إشراف ترامب، والتي تحمل اسم عملة دوجكوين (DOGE). قد يتساءل البعض عن العلاقة بين ماسك ودوجكوين، الإجابة تكمن في التأثير الكبير الذي يمتلكه على سوق العملات الرقمية. فبفضل تغريدات ماسك الساخرة والترويج غير التقليدي، استطاعت دوجكوين أن تكتسب شهرة واسعة، بل وتتحول إلى إحدى العملات الرقمية الرئيسية في العالم.
يرى ماسك في دوجكوين أكثر من مجرد أداة استثمارية، بل يصفها بـ”عملة الشعب”، وهو ما يعكس التوجه الذي يسعى لتحقيقه: عالم مالي غير مركزي يعتمد على العملات الرقمية كبديل للعملات التقليدية التي تسيطر عليها البنوك المركزية. وبهذا التأثير الكبير، أصبح ماسك “أباً” للعملة، حيث تتابع الأسواق بحذر شديد أي إعلان أو تغريدة له تتعلق بها.
في حديث سابق على منصة “X Spaces”، قال ماسك: “ما زلت أمتلك كمية كبيرة من دوجكوين، وSpaceX تمتلك كمية من البيتكوين”. هذه التصريحات ليست فقط دليلًا على التزامه بالعملات المشفرة، ولكنها أيضًا إشارة إلى رؤيته المستقبلية لتقنية البلوكشين ودورها في الاقتصاد العالمي.
الاستثمار في البيتكوين ودوجكوين: من تسلا إلى سبايس إكس
تسلا، الشركة الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية، تمتلك حوالي 11,000 بيتكوين، مما يجعلها واحدة من أكبر الشركات التي تحتفظ بهذه العملة الرقمية. لا تقتصر العلاقة بين ماسك والعملات الرقمية على تسلا فقط، بل تشمل أيضًا شركة “سبايس إكس” التي يملكها ماسك، والتي تمتلك أيضًا كميات كبيرة من البيتكوين.
هذا الاستثمار الكبير في العملات الرقمية يعكس الثقة المتزايدة في هذه العملات كأداة استثمارية طويلة الأمد. لكن هذا التوجه لا يخلو من المخاطر، حيث تحذر بعض الجهات التنظيمية من التقلبات الكبيرة في أسعار العملات الرقمية، مما قد يعرض الشركات والمستثمرين لمخاطر مالية كبيرة.
على الرغم من ذلك، يشير البعض إلى أن ماسك يستخدم هذه العملات كأداة لتحقيق الاستقلال المالي لشركاته بعيدًا عن الأنظمة البنكية التقليدية.
التحديات المستقبلية: التنظيم والقبول العالمي من بين أبرز التحديات التي قد تواجه العملات الرقمية في المستقبل هي المسائل التنظيمية. بينما يُظهر فريق ترامب دعمًا كبيرًا للعملات المشفرة، إلا أن الجهود الحكومية لتقنين هذا القطاع ستكون حاسمة في تحديد مصير هذه العملات.
هناك حاجة ملحة لوضع أطر قانونية واضحة تضمن الشفافية وحماية المستثمرين دون تقييد الابتكار. من ناحية أخرى، يواجه عالم العملات الرقمية تحديًا آخر يتمثل في قبولها على نطاق أوسع في الاقتصاد العالمي. إذ لا تزال العديد من البلدان تراقب هذا القطاع بحذر، ما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق الاستقرار لهذه العملات في المستقبل القريب.