في خضم التفاوضات الأممية التي جرت الشهر الماضي في بوسان، كوريا الجنوبية، والتي كانت تهدف إلى القضاء على تلوث البلاستيك، برزت المملكة العربية السعودية كأحد أكبر العوامل التي أعاقت هذه الجهود. حيث قادت السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، تحالفاً من الدول الغنية بالنفط مثل روسيا وإيران لوقف محاولات الحد من إنتاج البلاستيك، وهو ما أثار استياء الدول الطموحة في أوروبا وغيرها التي تسعى لمعالجة أزمة التلوث البيئي الناتج عن البلاستيك.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية وحلفاءها كانوا في سباقٍ لحسم الاتفاق العالمي للحد من إنتاج البلاستيك، فقد نجحت السعودية في تعطيل هذا المسعى بشكل لافت. وحسب أحد المفاوضين الذين شاركوا في تلك المحادثات، “استثمرت السعودية بشكل مكثف في دبلوماسيتها البيئية، وامتلكت فريقاً تفاوضياً ذا كفاءة عالية قادر على إحداث فارق كبير.” وأضاف المفاوض ذاته: “المملكة تمتلك القدرة الفائقة على دفع الأمور في اتجاهها، بما في ذلك تأجيل اتخاذ أي قرار بشأن هذا الملف بشكل متعمد.”
السعودية، التي تعتمد ثروتها بشكل كبير على النفط، ترى أن صناعة البلاستيك، التي تدر إيرادات تقدر بـ 700 مليار دولار سنوياً، تعد محركاً رئيسياً للطلب على النفط في وقت يتحول فيه العالم تدريجياً نحو وسائل النقل الكهربائية. وفي الوقت الذي ترى فيه الدول الأوروبية والعديد من الدول الأخرى أن تلوث البلاستيك يشكل تهديداً بيئياً وصحياً بالغ الخطورة، تعمل السعودية وحلفاؤها على حماية مصالحهم الاقتصادية في هذه الصناعة الحيوية.
من خلال المفاوضات، بات واضحاً أن السعودية استخدمت جميع الوسائل الممكنة لتأخير اتخاذ أي قرارات تتعلق بتقليص إنتاج البلاستيك. وأشار أحد المفاوضين إلى أن السعودية تولت دور “قيادة المجموعة العربية”، حيث كانت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تكرر نفس النقاط التي تطرحها السعودية في كل مرة، ما أدى إلى تعطيل المحادثات وإضاعة الوقت.
تصفح ايضاً: القطاع الخاص غير النفطي في السعودية يحقق أقوى نمو في المبيعات مع نهاية العام
وفي هذا الصدد، انضمت كل من روسيا وإيران إلى السعودية في معارضتها للحد من إنتاج البلاستيك، حيث لعبت روسيا دور التدخلات المتكررة التي لا تنتهي. ووصف أحد المفاوضين الروس بأنه “يكرر الكلام بشكل مفرط” في الجلسات المغلقة. ورغم الثروات النفطية التي يتمتع بها هذا التحالف، فقد ظلوا يتبنون موقفاً رافضاً لأي محاولات جادة للوصول إلى اتفاق عالمي بشأن الحد من إنتاج البلاستيك.
ورغم قدرتها الاقتصادية، تبنت السعودية موقف الدول النامية التي تطالب الدول المتقدمة بتوفير الموارد المالية اللازمة لتنفيذ المعاهدة، رغم أن السعودية لم تكن مستعدة لتحمل أي مسؤولية مالية على الرغم من دورها الكبير في إنتاج البلاستيك. وقد أكد أحد المفاوضين أن “الدول المتقدمة هي التي يجب أن تتحمل العبء المالي، وليس الدول المنتجة للبلاستيك.”
ولا يزال التمويل يمثل نقطة خلاف حاسمة في المفاوضات المقبلة، حيث يبقى الانقسام واضحاً بين الدول المتقدمة والدول النامية بشأن كيفية تخصيص الأموال اللازمة لتنفيذ المعاهدات المتعلقة بالبلاستيك.
وتؤكد هذه المفاوضات أن قضية البلاستيك باتت تتجاوز كونها قضية بيئية، لتصبح صراعاً دبلوماسياً تتداخل فيه المصالح الاقتصادية والسياسية. فالدول الطموحة تتسابق لإبرام تحالفات قوية من أجل إحداث تغيير حقيقي، فيما تسعى إلى رفع القضايا المتعلقة بالإنتاج والتمويل إلى مستوى سياسي من أجل الوصول إلى قرارات أكثر جدوى.
ويبدو أن هذه الجولات من المفاوضات أكدت أنه ينبغي بناء التحالفات الفعالة قبل الدخول في جلسات المفاوضات، حيث تفرض الدول المتفاوضة مواقفها بناءً على تفويضاتها الوطنية، ولا يمكن تغيير هذه المواقف إلا بموافقة عليا، وهو ما يؤدي إلى اتصالات عاجلة مع عواصمها.
وإذا كانت مفاوضات بوسان قد أظهرت شيئاً، فهو أن قضايا الإنتاج والتمويل أصبحت واضحة للغاية، وأصبح من الممكن نقل هذه القضايا إلى مستوى سياسي لتقرير مصير هذه الأزمة البيئية.
المصدر: politico