في تحول مفاجئ في الحرب الأهلية السورية، أصبح أبو محمد الجولاني، القائد السابق لجبهة النصرة، من أبرز الشخصيات التي لا يمكن إغفالها في المشهد السوري. الجولاني، الذي كان جزءاً من تنظيم القاعدة في وقت سابق، انتقل ليصبح قائد “هيئة تحرير الشام” في شمال غرب سوريا، مغيرًا بذلك استراتيجيته وأهدافه، وفقاً لرويترز.
في عام 2013، بعد أن عُين قائداً لجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، أصبح الجولاني هدفاً رئيسياً للعديد من الحكومات الغربية التي اتهمته بالإرهاب. ورغم أنه لم ينفصل عن القاعدة مباشرة في بداية الأمر، إلا أن تحولات استراتيجية جذرية شهدتها قيادته في عام 2016 عندما أعلن عن قطع علاقته مع التنظيم، وأعلن تأسيس “هيئة تحرير الشام”، في خطوة تهدف إلى تأسيس كيان منفصل عن تنظيم القاعدة.
من خلال “هيئة تحرير الشام”، تمكن الجولاني من تعزيز نفوذه العسكري والسياسي، ليصبح أحد أبرز اللاعبين في المشهد السوري بعد سنوات من الحرب. فسيطرته على إدلب، آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة، منحه دورًا محوريًا في المعركة ضد النظام السوري.
تصفح أيضاً: انهيار نظام الأسد: تحول تاريخي في سوريا
الجولاني الذي كان يُعتبر رمزاً للجهادية المتشددة، عمل على إعادة صياغة صورته بشكل تدريجي. فقد بدأ في تبني خطاب أكثر اعتدالاً، موجهاً رسائل تطمينية للأقليات السورية، وأكد التزامه بحمايتها. كما سعى الجولاني إلى إظهار “هيئة تحرير الشام” كبديل للمجموعات المتطرفة، وأعلن عن استعداده لتشكيل حكومة سورية جديدة تتضمن جميع الفئات السورية، بما في ذلك الأقليات.
التحولات في خطاب الجولاني الإعلامي والسياسي جاءت في وقت حساس، حيث بدأ يشدد على أن “هيئة تحرير الشام” لا تهدف إلى تأسيس دولة دينية، بل دولة مدنية تعكس تطلعات الشعب السوري. هذا التحول سمح له بتحقيق حضور متزايد على الساحة الدولية، وفتح أمامه أبواب التواصل مع بعض الفصائل التي كانت تعتبره في وقت سابق جزءًا من المشروع الجهادي المتطرف.
رغم انشقاقه عن القاعدة، إلا أن الجولاني لم ينجُ من الصراعات الداخلية مع التنظيمات الجهادية الأخرى، وفي مقدمتها تنظيم “داعش”. فقد نشب نزاع شرس بين جبهة النصرة وداعش في المناطق التي كانت تحت نفوذهما، حيث تصاعدت المواجهات العسكرية بين الطرفين في معارك عنيفة أسفرت عن مقتل العديد من المقاتلين. ومع تقدم جبهة “هيئة تحرير الشام”، استطاع الجولاني استعادة السيطرة على العديد من المناطق الحيوية في الشمال السوري.
من خلال ظهوره الإعلامي المتزايد، سعى الجولاني إلى تقديم نفسه كزعيم يتبنى الاعتدال السياسي، ما ساعد في بناء شبكة من الحلفاء المحليين والدوليين. وفي الوقت نفسه، عمل على إظهار قدرته على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية للسكان، مثل التعليم والصحة.
الجولاني، الذي كان يُعتبر أحد أبرز القادة العسكريين في المعارضة السورية، حاول أن يوازن بين مشروعيه العسكري والسياسي، ساعياً لتحقيق استقلالية أكبر في مناطق شمال غرب سوريا، بعيداً عن الهيمنة الإقليمية، وخاصة من قبل الدول الغربية.