أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأحد عن إصدار عفو رئاسي لابنه هانتر بايدن، الذي كان يواجه محاكمة هذا الشهر بتهم تتعلق بالضرائب وحيازة الأسلحة النارية.
جاء هذا القرار قبل أسابيع من مغادرة بايدن منصبه، ليشكل تحولاً دراماتيكياً في سياق وعوده السابقة.
وقال الرئيس الأمريكي في بيان رسمي: “اليوم، وقعت على عفو لابني هانتر”، مشيراً إلى أن هذا العفو هو “عفو كامل وغير مشروط”، وفقاً للنسخة الرسمية الموزعة.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من عملية منح الهدنة القانونية لابنه، حيث يعفيه من الأحكام التي كانت ستصدر ضده في القضايا المرفوعة عليه.
ويُعتبر هذا العفو بمثابة انتكاسة لوعود سابقة كان قد أدلى بها الرئيس بايدن قبل وبعد انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث أكد مراراًَ أنه لن يعفو عن ابنه أو يقلل من عقوبته.
تصفح أيضاً: بايدن ينتقد ماسك: انطلاقته في أمريكا كانت غير قانونية
وقال في وقت سابق إنّه لن يتدخل في هذه القضية القانونية، مشدداً على أن الإجراءات القانونية يجب أن تأخذ مجراها. لكن قرار العفو الآن يمثل خرقاً لتلك التعهدات، ليشعل المزيد من الجدل حول دوافعه السياسية والآثار المحتملة لهذا القرار.
وكان هانتر بايدن قد تعرض لمراجعة دقيقة بسبب صفقاته التجارية في الخارج. وقد اتهمه خصوم الرئيس بايدن، أبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب، بالفساد وأنه يجب محاكمته على خلفية هذه التعاملات.
وفي تعليق له على القرار، وصف ترامب العفو بأنه “انتهاك صارخ للعدالة” و”فشل في النظام القضائي”، مشيراً إلى أن هذا قد يفتح الباب لتجاوزات قانونية أخرى.
أما عن تداعيات العفو، فقد ألغت المحكمة جلسات الحكم المقررة، بما في ذلك الجلسة التي كانت منتظرة في 12 ديسمبر في قضية الأسلحة، وكذلك الجلسة المقررة في 16 ديسمبر في القضية الضريبية.
كما أن العفو يشمل جميع الجرائم المحتملة التي قد يكون هانتر قد ارتكبها منذ عام 2014 وحتى ديسمبر 2024، وهو ما يعفيه من أي محاكمة مستقبلية عن تلك الأنشطة.
فيما أضاف الرئيس بايدن في بيانه أن قرار العفو جاء بعد أن شعر بأن “ابنه تعرض للملاحقة القضائية بشكل غير عادل”، مضيفاً أن “هانتر تمت محاكمته بشكل انتقائي”، كما اتهم معارضيه السياسيين في الكونغرس بتوجيه التهم له بهدف “مهاجمته شخصياً ومعارضة انتخابه”.
ووصف بايدن أن السياسة قد أثرت بشكل كبير على سير العدالة في القضية، مؤكداً أن العفو يعكس “ظلماً واضحاً” تعرض له ابنه.
وكان محامو هانتر بايدن قد أعلنوا، مساء الأحد، أنهم أبلغوا القضاة المعنيين بالقرار، وأكدوا أن العفو يتطلب “إلغاء الاتهام الموجه ضد موكلهم بشكل نهائي” وتجميد كافة الإجراءات القضائية في القضية.
إن هذا القرار يُعدّ سابقة في تاريخ الرئاسة الأمريكية، ويثير تساؤلات حول موازين العدالة وحماية الأسرة الرئاسية من التبعات القانونية، في وقت حساس من تاريخ الولايات المتحدة، بينما يظل هذا الملف في مرمى أنظار العالم أجمع.
هانتر بايدن يُدان في قضايا عدة ويحصل على عفو رئاسي
أُدين هانتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن، من قبل هيئة محلفين في يونيو الماضي بتهم تتعلق بحيازة سلاح ناري بشكل غير قانوني كمستخدم للمخدرات.
وقد تركزت هذه القضايا على تفاصيل محاكمة شديدة القسوة تعمقت في حياة هانتر بايدن الخاصة، مسلطة الضوء على معاناته الطويلة مع الإدمان والمشاكل الأسرية التي عانى منها لعقود.
وعلى الرغم من تعقيد القضايا الجنائية التي واجهها، إلا أن هانتر بايدن اختار في سبتمبر الماضي التماس الاعتراف بالذنب في تسع تهم ضريبية، تتعلق بمبالغ لم يدفعها على مدار سنوات، بلغت قيمتها حوالي 1.4 مليون دولار.
وقد تم اكتشاف أن هذه المبالغ كانت ناتجة عن إنفاقه الباذخ على أسلوب حياة مليء بالمبالغة، شمل تكاليف مرافقة نسائية، وراقصات، وشراء سيارات، ومخدرات.
وكان المستشار الخاص ديفيد وايس، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، قد بدأ التحقيق في قضايا هانتر بايدن منذ عام 2018، حيث تم تقديم لوائح الاتهام في عام 2023.
ورغم أن الرئيس جو بايدن كان يملك السلطة الكاملة لإغلاق التحقيق أو توجيه وزارة العدل الأمريكية لإسقاط التهم الموجهة ضد ابنه، إلا أنه اختار الالتزام بوعده بعدم التدخل في القضية.
تتعلق القضايا الجنائية التي واجهها هانتر بايدن بتاريخه الطويل في مكافحة الإدمان على المخدرات والكحول، وهي معاناة تحدث عنها بصراحة في مذكراته التي نشرت عام 2021.
ومنذ بداية التحقيقات، أصر محامو هانتر بايدن على أن موكلهم كان مستهدفاً من قبل المدعين العامين الذين خضعوا لضغوط سياسية من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب وأعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس، الذين عملوا على تضخيم قضيته في الإعلام.
اقرأ أيضاً: ترامب يحذّر مجموعة بريكس: استبدال الدولار الأميركي سيواجه بعقوبات صارمة
وفي بيان له مساء الأحد، قال هانتر بايدن: “لقد اعترفت وتحملت المسؤولية عن أخطائي في أحلك أيام إدماني، وهي أخطاء استُغلت للإذلال العلني لي ولعائلتي لأغراض سياسية”.
وأكد أنه لا يعتبر العفو الذي حصل عليه بمثابة أمر مسلم به، بل تعهد بأن يكرس حياته لمساعدة الآخرين الذين يعانون من الإدمان، قائلاً: “لن آخذ العفو الذي منح لي اليوم كأمر مسلم به، وسأعمل جاهداً على مساعدة أولئك الذين لا يزالون يعانون”.
برر جو بايدن قراره بالعفو عن ابنه بالتأكيد على أن العديد من الأشخاص الذين يواجهون تهماً تتعلق بالأسلحة بسبب الإدمان لا يُحاكمون بشكل جنائي إلا في حالة وجود عوامل مشددة، مثل ارتكاب جريمة عنف باستخدام السلاح.
وأضاف أن الأشخاص الذين يسددون كامل التزاماتهم الضريبية المتأخرة، كما فعل هانتر، عادة ما يتم تسوية قضاياهم عبر طرق تنفيذية مدنية بدلاً من تقديمهم للمحاكمة الجنائية.
ويُعد هذا العفو هو الأحدث ضمن سلسلة من العفو الرئاسي التي قام بها رؤساء الولايات المتحدة لأفراد من عائلاتهم في الآونة الأخيرة، حيث سبق أن عفا الرئيس بيل كلينتون عن شقيقه في نهاية فترته الرئاسية، وعفا الرئيس دونالد ترامب عن والد صهره جاريد كوشنر في اللحظات الأخيرة من حكمه.
ومن جهته، اعتبر الخبير الأمريكي في قضايا العفو، جيفري كروتش، أن العفو عن هانتر بايدن يعد “إساءة لاستخدام سلطة العفو الرئاسي”، مشدداً على أن الرؤساء يجب ألا يستخدموا هذه السلطة في خدمة مصالحهم الشخصية أو مصالح أفراد أسرهم.
ويأتي هذا القرار بعد أيام من عطلة عيد الشكر التي قضتها عائلة بايدن في نانتوكيت، حيث أصر الرئيس على اتخاذ هذا القرار بعد أن “صارع” مع جميع الخيارات المتاحة، مؤكداً أنه شعر أن العفو كان الخيار الأنسب في هذه المرحلة.
وتوضح المصادر المقربة من البيت الأبيض أن الرئيس بايدن كان على دراية تامة بالضغوط السياسية والقانونية المحيطة بالقضية، خاصة في ظل الهجمات المستمرة التي تعرض لها نجله هانتر، والتي اعتبرها الرئيس جزءاً من محاولات خصومه السياسيين لاستهدافه وإضعافه.
وقال مسؤول في البيت الأبيض لشبكة “CNN” إن بايدن شعر بأن هانتر كان مستهدفًا بشكل قاسٍ، وأنه قد تحمل الكثير من المعاناة والتحديات في ظل الهجمات المتواصلة والمحاكمة الانتقائية التي تعرض لها.
ووفقاً للمصادر نفسها، كان من بين العوامل التي أثرت على القرار إيمان الرئيس بأن الجمهوريين كانوا يسعون لتدمير ابنه في وقت كان لا يزال يتعافى من الإدمان.
فقد أشار بايدن إلى أن هانتر قد أمضى خمس سنوات ونصف السنة في التعافي من الإدمان، رغم ما واجهه من هجمات مستمرة، الأمر الذي جعله يعتبر أن العفو هو الخطوة الوحيدة التي تعيد له بعضاً من العدالة.
وقد كان هذا القرار بمثابة مفاجأة بعد أن أكد البيت الأبيض، في تصريحات سابقة، أن الرئيس لا يعتزم منح العفو لابنه. فقد صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في السابع من نوفمبر الماضي أن الرئيس ليس لديه أي خطط للتدخل في القضية.
لكن مع تصاعد الانتقادات وتأكيد الجمهوريين على أن هانتر بايدن سيظل هدفاً للتحقيق في ظل إدارة ترامب القادمة، بدأ الحديث عن إمكانية العفو أو تخفيف الأحكام المحتملة.
ومن اللافت أن القرار جاء بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، مما جعل العديد من المحللين يتوقعون تحركات من جانب الرئيس بايدن لدعم نجله، وسط قلق من تطورات التحقيقات الفيدرالية التي طالت هانتر بايدن على مدار ست سنوات.
وعليه، فإن العفو عن هانتر يمثل خطوة لافتة من قبل بايدن، التي يرى البعض أنها قد تكون مرتبطة بعلاقته القوية بابنه، فضلاً عن تقديره لما مر به هانتر من محن.
وفي هذا السياق، أكد أحد المسؤولين في الإدارة الأمريكية أن بايدن كان قد راجع جميع الجوانب القانونية والسياسية للقرار، مستشهداً بالعفو الذي منحه ترامب لشارلز كوشنر في فترة ولايته الأخيرة، معتبراً أن بايدن كان بإمكانه اتخاذ نفس الخطوة في ضوء العلاقة الوثيقة بين الأب وابنه.